• مقدمــــــة:

تعتبر مشكلة المخدرات في الوقت  الراهن مشكلة عالمية ترزخ تحت وطأتها مجتمعات الأرض قاطبة لا استثناء في ذلك بين مجتمع غني أو فقير أو متحضر أو متخلف متدين أو علماني. ولعل هذا التهويل في محله اذا علمنا أن أحد النتائج الحتمية لتناول هذه السموم يؤدي الى الادمان والدي يؤدي بدوره الى اصابة الجسم بالضعف والوهن مؤثرا على القوى العقلية والذكائية للفرد فيضعفها بالتدريج الى أن يصاب المدمن بالجنون أو يقدم على الانتحار ، كما أن المدمن و هو يحاول اتباع رغباته الجانحة بكل الطرق فانه لا يكترث بالاخلاق أو القيم أو المبادىء ،ومن هنا لنا أن نقدر حجم الضرر الذي يلحق بالفرد المدمن فيجعله في منأى عن الخوض في مسيرة تشيد وطنه واثراء محيطه و تكوين أسرته ، لأن احساسه بالمسؤولية يصبح بليدا بل عديما أحيانا، فيهمل واجباته العائلية والانسانية ، وقد يفقد مورد رزقه فيضطر الى ارتكاب الجريــمة و خاصة جرائم الأموال فينكب المجتمع بجــرائم و اشـــكالات أخطر ، قد تحوله الى فوضى و دمار ، واطلاقا من هذا المعطى الخطير ، ووعيا منه بضخامة التبعة ، فانه لم يعد أمام الضمير الانساني التجاهل أو التغاضي عن المشكلة بل أصبحت و الحتمية تقتضيان أن تتضافر الجهود الانسانية كل في موقعه وحسب قدرته على مكافحة هذا الداء و القضاء على منتجيه ، ومروجيه، و مسهلي تعاطيه .

و نلاحظ اليوم هذا التوجه العالمي مجسدا في المساعي الاولية ، بعقد اتفاقيات و بروتوكولات تزيد عددها عن العشرين ، كما أنشئت لذلك مكاتب خاصة بشؤون مكافحة المخدرات التابعة للامم المتحدة و فتحت الشرطة الدولية فروعا لها في العديد من الدول ، وشرعت القوانين الصارمة للمكافحة، و على النطاق العربي فان تعاطي المخدرات انتشر ولازال في العديد من الأقطارالعربية بل أنه انتشر في بعضها انتشارا مذهلا كـ اليمن ولبنان و مصر و المغرب و الجزائر في الفترة اللأخيرة ، كما لم يسلم من ذلك ولو قطر عربي واحد، مما استدعى عقد مؤتمرات و الندوات وما يتم خلالها من تبادل الخبرات و المعلومات ،ولو أنها تبقى في الكثير من الأحيان مجرد حبر على الورق .

  • الفصل الأول: جريمة المخدرات

تمهيد:
إن دراستنا لجرائم المخدرات تقتضي منا التعريف أولا بالمواد المخدرة لأن ذلك يساعدنا على فهم طبيعة هذه المواد وخصائصها ومن ثم الوقوف على فهم أغراض استخدامها والنتائج والآثار المختلفة المترتبة على استعمالها، وكذلك على صعيد تحديد مفهوم ونوع المادة المخدرة نفسها لأن مشكلة المخدرات لم تعد مقصورة على مادة واحدة أو نوع واحد بل تجاوزتها لتشمل أنواع مختلفة وللقاضي التأكد أولا من أن المادة التي هو بصدد تطبيق القانون بشأنها هي المادة التي ينطبق بشأنها نص التجريم.
ومعنى ذلك أنه توجد مواد أخرى ليست من المخدرات ولكنها تشترك معه في خصائصها وآثارها فيقتضي بنا الأمر التمييز بينهما وذلك ضروري جدا وتقتضي الدراسة أيضا إلى الوقوف على التطور القانوني لهذه الجرائم وذلك لأن القاعدة القانونية ما هي إلا انعكاس لإحساس المجتمع بظاهرة ما تخل بنظامه أو تهدد أمنه وسلامته فيهب المشرع لتجريم الفعل ثم يضع الجزاء المترتب على مخالفته وبدأت تتكون القاعدة القانونية.

وجرائم المخدرات مثلها مثل أي جريمة لها بصفة عامة عنصران أساسيان معروفان وإضافة على أنها تنتمي إلى جرائم قانون الع الج فلها عنصر آخر وهو عنصر المحل والذي يقوم على عنصر مشترك في كافة جرائم المخدرات وهو الركن الشرعي وعليه فقد قمنا بتقسيم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث نتناول في الأول منها التعريف بالمواد المخدرة من جانب الفقه ومن جانب التشريعات وكذا تمييزها عن ما قد يتداخل بها من مواد بسبب تشابهها في المؤثرات ثم نعرج على التعاطي والإدمان والأسباب المؤدية أو الدافعة إليها.
أما المبحث الثاني فندخل من خلاله إلى عالم المخدرات من بابها القانوني فندرس مختلف التطورات التي مر بها تقنين هذه الجرائم لنختتم الفصل بمبحث يتناول أركان هذه الجرائم حسب ما بينا سالفا وذلك بعد أن نكون قد كونا فكرة عن الجانب القانوني لهذا النوع من الجرائم.

المبحث الأول: تعريف المخدرات والتعاطي

المطلب الأول: تحديد مفهوم المخدر فقها وتشريعا.
إن التنوع الهائل في أنواع المخدرات في أشكال نباتات أو مواد خام أو مواد كيماوية سامة وغير سامة يجعل أمر وضع تعريف شامل وجامع مانع لها من الصعوبة بمكان، ولذلك فسنحاول أن نكيف كل تعريف على حسب قابليته لنضعه ضمن الفقه أو التشريع ثم نعمد ختاما بعد ذلك إلى أهم أنواع المخدرات المعروفة والأكثر انتشارا فنعددها ونذكر خصائص الإدمان على كل منها وآثارها على الجسم والنفس معا.

 

 

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *